هل تتجه بريطانيا نحو إغلاق أبواب الهجرة؟ قراءة في التغييرات الأخيرة وتأثيراتها الواسعة
عرب لندن - بقلم المستشار القانوني علي القدومي
تشهد المملكة المتحدة تحولات جوهرية في سياسات الهجرة، بدأت مع مطلع عام 2024 وتعمقت بشكل ملحوظ في 2025.و في خضم هذه التغييرات، سجلت بيانات رسمية تراجعًا كبيرًا في عدد طلبات التأشيرات، لا سيما في فئة العمل والدراسة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت بريطانيا بصدد الانغلاق على نفسها أو إعادة تنظيم ملف الهجرة بصرامة غير مسبوقة.
أرقام تشير إلى تحول جذري
بحسب التقديرات الأخيرة، تراجعت طلبات التأشيرات إلى أقل من 800 ألف خلال عام واحد، مقارنة بما يفوق 1.2 مليون طلب في العام السابق – أي انخفاض بنسبة تقارب 37%.
هذا الانخفاض لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة مباشرة لحزمة من السياسات الصارمة التي فرضتها الحكومة الحالية، والتي تركز على الحد من الهجرة وتقليص الاعتماد على الأيدي العاملة الأجنبية.
تشديد على تأشيرات العمل: تضييق الخناق على الشركات والمهاجرين
من أبرز التعديلات وأكثرها تأثيراً ما طال تأشيرات العمل ورخص الاستقدام، حيث فرضت الحكومة قيودًا جديدة تضمنت:
رفع الحد الأدنى للدخل المطلوب للعمالة الماهرة إلى قرابة 39 ألف جنيه سنويًا.
تقليص قائمة المهن المؤهلة للاستقدام، مع تشديد خاص على مهن الرعاية المنزلية.
تعقيد شروط منح رخصة استقدام (Sponsorship License) للشركات، ما جعل عملية التوظيف من الخارج أكثر تعقيدًا وتكلفة.
فرض تدقيق أكبر على الشركات وإجراءات مراجعة صارمة، بما في ذلك مراجعة السجلات الضريبية والتاريخ الوظيفي.
وتسببت هذه الإجراءات في انخفاض طلبات تأشيرات العمل بنسبة تجاوزت 15%، وتراجعت كذلك طلبات أفراد الأسر المرافقة بنسبة ملحوظة.
الطلاب والمعالون: الضحية الصامتة للتعديلات
سياسات الحكومة لم تقف عند سوق العمل فقط، بل امتدت لتشمل الطلاب الدوليين، حيث تم منع الغالبية العظمى منهم من اصطحاب عائلاتهم، باستثناء فئات محددة من برامج البحث العالي أو الحاصلين على منح حكومية.
وكانت النتيجة:
تراجع طلبات تأشيرات المرافقين بنسبة تفوق 80%.
انخفاض في تأشيرات الطلاب الرئيسيين بنسبة تقدر بحوالي 10-12%، وهو تراجع متوسط لكنه يحمل دلالات مقلقة لقطاع التعليم العالي البريطاني.
أثر مباشر على الاقتصاد وسوق العمل
وبالرغم من أن الحكومة تروج لهذه السياسات كخطوة نحو “تنظيم الهجرة”، فإن الواقع يعكس أزمة متنامية في اليد العاملة، خاصة في قطاعات مثل الرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، والضيافة، والبناء.
ويجد أصحاب الأعمال أنفسهم مضطرين إلى:
رفع الرواتب بشكل كبير لتلبية الشروط الجديدة.
تقليص عملياتهم التشغيلية أو تأجيل التوسع.
أو في بعض الحالات، الخروج من السوق بالكامل بسبب عدم قدرتهم على جذب أو استقدام العمال.
مفارقة: انخفاض الهجرة رغم الحاجة المستمرة
وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في أعداد المهاجرين الجدد، لا تزال المملكة المتحدة تسجل أرقامًا أعلى من مستويات ما قبل البريكست في استقبال المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى وجود طلب خارجي مستمر على الهجرة إلى بريطانيا رغم التعقيدات.
خاتمة: إلى أين تتجه بريطانيا؟
بوضوح، نحن أمام تحول استراتيجي في سياسة الهجرة البريطانية، يهدف إلى فرض رقابة مشددة وتقليل الأعداد، لكنه في الوقت نفسه يحمل معه مخاطر اقتصادية واجتماعية، خاصة إذا لم تُرفق هذه الإجراءات بحلول واقعية لسد فجوات السوق المحلي.
إذا كنت تخطط للهجرة أو الدراسة أو العمل في المملكة المتحدة، من الضروري متابعة هذه التغيرات بعناية والتفكير بشكل استراتيجي في الخيارات المتاحة.