عرب لندن
وصل وفد من كبار المفاوضين التجاريين البريطانيين إلى واشنطن هذا الأسبوع، في محاولة لإبرام اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة قبل قمة مرتقبة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في 19 مايو الجاري.
وتمضي المحادثات بوتيرة متسارعة، وسط آمال بريطانية بالتوصل إلى تفاهم بشأن الرسوم الجمركية على عدد من القطاعات الرئيسية، فيما يقضي الوفد معظم الأسبوع في الولايات المتحدة لاستكمال المفاوضات.
ووفقًا لما أورده موقع صحيفة "الغارديان" The Guardian ، أفادت مصادر حكومية بأن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بشأن فرض رسوم جمركية على صناعة الأفلام مثّل انتكاسة لمسار المحادثات، رغم أن داونينج ستريت لم يستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال الأيام المقبلة.
وقال أحد المطلعين على سير المفاوضات: "لدينا فريق رفيع المستوى على الأرض الآن، وهناك إمكانية للوصول إلى اتفاق هذا الأسبوع، لكن تقلب مواقف إدارة ترامب، كما رأينا في قرار فرض الرسوم الجمركية على الأفلام، يجعل الأمور معقدة".
وذكرت مصادر أخرى أن تهديد ترامب بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام الأجنبية أثار قلقًا كبيرًا، لا سيما لما قد يُحدثه من أثر مباشر على صناعة السينما البريطانية، رغم أن بعض الدوائر في داونينج ستريت وصفت التهديد بأنه "محفز مفيد" في سياق التفاوض.
وتسعى لندن إلى إبرام اتفاق جزئي يخفف الرسوم الجمركية على الصادرات البريطانية من الصلب والألمنيوم والسيارات، مقابل خفض معدل ضريبة الخدمات الرقمية المفروضة على شركات التكنولوجيا الأمريكية، في ظل توجه بريطاني لإتمام هذه الصفقة قبل الدخول في مفاوضات رسمية مع الاتحاد الأوروبي.
وكانت صحيفة الغارديان قد كشفت الأسبوع الماضي عن تراجع أولوية إدارة ترامب في التفاوض مع بريطانيا لصالح عدد من الدول الآسيوية، إلا أن مسؤولين بريطانيين أشاروا إلى استمرار المحادثات رغم ذلك، واصفين النهج الأمريكي بأنه "فوضوي".
ويسعى الفريق البريطاني هذا الأسبوع إلى حلّ نقطتي خلاف رئيسيتين تتعلقان بقطاعي الأدوية وصناعة الأفلام. وسبق أن أعلن ترامب نيته فرض رسوم على كلا القطاعين، اللذين يعدان من ركائز الاقتصاد البريطاني، لكنه لم يوضح تفاصيل الإجراءات المرتقبة.
وصرّح ترامب بأن صناعة السينما الأمريكية "تموت موتًا سريعًا" نتيجة الحوافز التي تقدمها دول أخرى لجذب الاستثمارات، مهددًا بفرض رسوم تصل إلى 100% على الأفلام الأجنبية، في وقت تستقطب فيه بريطانيا المنتجين عبر إعفاءات ضريبية سخية، ما جعلها موقعًا لتصوير أفلام كبرى مؤخرًا، بينها "باربي"، في صناعة تُقدّر قيمتها بملياري جنيه إسترليني.
كما كشف الرئيس الأمريكي عن خطط للكشف عن رسوم جمركية على المنتجات الصيدلانية خلال الأسبوعين المقبلين، بينما بلغت قيمة صادرات بريطانيا من هذه المنتجات إلى الولايات المتحدة نحو 6.5 مليار جنيه إسترليني العام الماضي.
من جهته، استبعد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تخفيف معايير إنتاج الغذاء لتسهيل وصول المنتجات الزراعية الأمريكية إلى السوق البريطانية، مؤكدًا أن الحكومة تُعطي الأولوية لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، يُراعي تطابق المعايير الأوروبية والبريطانية.
ويكثف المسؤولون جهودهم لإتمام الاتفاق مع واشنطن قبل قمة الاتحاد الأوروبي، التي ستشهد تحديد المواقف التفاوضية الرسمية، فيما أظهرت وثائق مسربة أن هناك تباينًا مستمرًا بين الطرفين بشأن برنامج تنقل الشباب، إذ تطالب بريطانيا بتحديد عدد ومدة التأشيرات واستبعاد المعالين من البرنامج.
واجتمع سفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الأربعاء لبحث تطورات المحادثات. وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن "الأجواء إيجابية والمفاوضات تمضي بسلاسة، لكن من المبكر الحديث عن خطوات جريئة من أي طرف".
وفي سياق متصل، وقّع ستارمر اتفاقية جديدة مع الهند هذا الأسبوع، تضمنت إعفاء العمال المنتقلين إلى المملكة المتحدة من دفع التأمين الوطني، في خطوة أثارت قلقًا داخل وزارة الداخلية، خاصة بعد تهميش الوزيرة إيفيت كوبر وعدم إبلاغها مسبقًا.
وانتقدت وزيرة الأعمال السابقة كيمي بادينوخ القرار، معتبرةً أنه يُكرس لنظام ضريبي "ثنائي المستوى"، رغم نفيها تقارير تفيد بأنها كانت قد وافقت على التنازل ذاته أثناء توليها المنصب.
ودافعت رئيسة الوزراء عن الاتفاق خلال جلسة الأسئلة الأسبوعية في البرلمان، واصفة إياه بأنه "انتصار كبير" للمملكة المتحدة، بينما أشاد به عدد من كبار أعضاء حزب المحافظين، بينهم ستيف بيكر وأوليفر دودن، وجاكوب ريس-موج، الذي قال إن الاتفاق يُجسّد "أحد أبرز وعود الخروج من الاتحاد الأوروبي".
ويقول مسؤولون بريطانيون إنهم تفاجأوا باستعداد حكومة حزب العمال لتوقيع اتفاقيات ظلت مطروحة لسنوات، ورفضتها الحكومات المحافظة المتعاقبة، في وقت يُعتقد أن تراجع توقعات النمو الاقتصادي دفع ستارمر إلى تسريع خطواته نحو إبرام صفقات تجارية جديدة، حتى وإن لم تحقق كامل المطالب البريطانية، مثل تعزيز فرص الدخول إلى سوق الخدمات.